الحي العتيق و الحي العصري

تعريف الحيّ

حي جمعها أحياء، ويقصد بها المكان الذي يتكون فيها البيوت والشوارع والمدارس ويسكنها عامه الناس وتختلف الاحياء في معيارها الراقي أو المتدني تبعاً لـسكانها أو قيمه ارضها أو جهتها، لأن من الملاحظ ان الاحياء الشمالية في الغالب تكون اغلى من الاحياء الجنوبية وبالتالي يختلف نوع قاطني هذه الاحياء نسبه إلى صنع الإنسان الأحياء والمدن كامتداد لحاجاته الاجتماعية والاقتصادية وبنظرة سريعة إلى وضع إنساننا الحالي في هذه البيئة نجد أننا نفتقد لكثير من الحاجات الاجتماعية حتى أننا لا نتيح الفرصة لأنفسنا في التعرف على أخوانا المحيطين بنا سواء في المساكن التي نقطنها أو في الساحات والحدائق وذلك لإنماء وتفعيل الحس الاجتماعي والذي هو جل أساس تطور الاحياء.
دور الحي في حياة الطفل والمجتمع الحياة في الحي تقوي أواصر المحبة بين الناس نتيجة التلاقي الدائم في المراكز الحضرية والساحات العامة كما تجعل الإنسان يتقرب من أخيه الإنسان للتآخي والتعايش في نسيج اجتماعي حضري. العيش في الحي وسط الجيران الطيبين مكسب كبير حيث يتعلم الطفل أولى العلاقات العفوية والبسيطة ويتعلم الألفة بين أهل الحي. الإنسان كائن يبحث عن الدفء والراحة والأمن والأمان هذا ما يجعله دائم البحث عن سبل تحقيق ذلك بدءاً من منزله وجيرانه. تكون الأحياء التي تتمتع بمرافق ومساحات خضراء مكانا يجد فيه الأطفال راحتهم ولعبهم كما تزودهم بجميع المتطلبات الترفيهية التي يحتاجونها خاصة ملاعب الأطفال. نظراً لقوة الروابط الاجتماعية في الحي وسهولة حركة السيارات والمشاة في جميع الاتجاهات فإن معدل الجريمة يقل في هذه الأحياء وخاصة السرقة والاعتداء على المشاة خاصة الأطفال والنساء
مميزات العيش في الاحياء الحديثة : يعطي تخطيط الأحياء الحديثة الأولوية في الحي للمشاة مما يسهل حركتهم إلى المسجد والمدرسة والمنتزهات والأسواق في أمان ويسر دون التعرض للتقاطعات الخطرة. توفر الأحياء الحديثة لكل مجموعة من الأسر لا تزيد عن (15) ملعباً للأطفال على شكل برحه جوار منازلهم وبعيداً عن حركة السيارات والفضوليين مما يشجع على الترابط بين سكانه. توفر الأحياء الحديثة ملاعب مركزية للسكان بمساحات كبيرة وسطها وبعيداً عن الفضوليين. تمنع الضرر عن الجار وتحافظ على القيم الدينية وتشجع العلاقات الاجتماعية، من خلال توفير الفراغات والحدائق شبه الخاصة بين المساكن. التشجير والمساحات الخضراء تشكل محوراً هاماً للسكان يمكن الوصول لها مشياً وبسهولة من أي مكان بالحي وهذا ذو أثر مشجع للسكان على المشي والتعارف فيما بينهم في بيئة آمنة وصحية.
الحي يوفر للمتساكنين كل المرافق الضرورية مثل : مركز تسويق رئيسي يخدم المنطقة والمناطق المجاورة. مركز تسوق صغير داخل الحي لخدمة سكان الحي فقط. مناطق تجارية مصغرة توفر الخدمات الأساسية للحارات الداخلية مناطق تنزه وتسلية. حديقة رئيسية متصلة بخطوط المشاة يمكن الوصول إليها بسهولة وأمان من كافة الأحياء. حدائق صغيرة وملاعب أطفال موزعة لخدمة الأحياء المسجد والخدمات التعليمية والأمنية. على إحياء الروح الاجتماعية للوحدة والمجموعة السكنية وللمجتمع ككل داخل المنطقة.
تعد جودة البيئة السكنية مؤشراً على مستوى جودة الحياة، وتتطلب تنمية البيئة السكنية وتحسين مستواها ودعم الإحساس بروح المجموعة بين السكان، وتمكينهم من المشاركة في إدارة الحي والعناية به، وتحث السكان على الإفادة من جودة حيهم كالبيئة التنظيمية والإدارية للحي وبالتالي المدينة وكذلك الشعور بالمسئولية واندفاعهم إلى التكامل والتعاون والتآخي والتواصل بين أفراد المجتمع عموماً والجيران خصوصاً، كما أن نقص الحدائق والساحات العامة يقلل من حركة المشاة ويجعل تواجد السكان في الفراغات العامة والمشتركة نادراً، فتزداد بذلك العزلة بين القاطنين ويقل التعارف فيما بينهم مما يؤدي إلى ضعف العلاقات الاجتماعية.

تعريفه

المدينة العتيقة هي المدينة القديمة اي التي وجدت قبل ان تبنى الاحياء الحديثة من حولها. يستعمل هذا المصطلح في المغرب العربي, في افريقيا الغربية و الشرقية.
المدينة العتيقة تتميز بمبادلاتها التجارية مع المناطق الريفية التي تحيط بها و التي تزودها بحاجياتها. رغم الاسوار و البوابات التي تحميها من الغزاة, مساحة كبيرة من المدينة العتيقة تحتلها الاسواق.
اليوم, و مع تقدم الدول, برز اشكال المحافظة على التقاليد و المعالم و النسيج الاجتماعي و الخدمي و الاقتصادي في المدن العتيقة. و اصبحت هذه المدن العتيقة تعرف بروابطها الاجتماعية و الاقتصادية مع الاحياء الحديثة التي اصبحت تحيط بها. و هي اليوم تساعد على الحفاظ على التراث و الفنون و الصناعات التقليدية و اصبحت مقاصد سياحية هامة.

صفته

1 ـ وصف القرية:
القرية هي البرّية بجلالها وجمالها، وإشراقها وضيائها، وخضرتها ومائها، ورقة هوائها وزرقة سمائها.
هي صياح الديك ولثغة الشحرور وتغريد الطيور ومأمأة الخروف وثغاء العنزة ومواء القطة ونباح الكلب وخوار البقرة وخرير الساقية وأنين الناي، تتناغم وتنشد في تناسق وانسجام.
هي رائحة الأعشاب والنعناع والبابونج وعبير التفاح والبرتقال.
هي الخبز البيتي والحليب الصافي، والعسل الحر، وزيت الزيتون النقي.
هي ركوب الخيل والحمير، والبكور إلى الطاحونة لطحن القمح والشعير، وحمل الماء من العين والينبوع والغدير.
هي التمسك بالعادات الحميدة التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا من إغاثة الملهوف واحترام الكبير وإعانة الضعيف ورعاية حقوق الجار، وقد أصبحنا نفتقدها في المدينة، لذلك يسميها بعضهم "أخلاق القرية".
ولا يعرف فضل القرية إلا من عاش في المدينة، في بيوت أرضها وسقوفها وجدرانها وقلبها حجر، لا يدخلها النور والدفء إلا بمقدار، ولا يتجدد هواؤها، ولا يستساغ ماؤها ، ولا ترى في كثير من أنحائها شمسها ونجومها وسماؤها.
كنا نهرب إلى أحضانها هربا من قيود الحضارة الزائفة، لننعم بالشمس والهواء والليل والنجوم والقمر والحرية، فنجد فيها ملاذا من الصخب والضوضاء والقلق والتلوث. تتجاور فيها المخلوقات دون حواجز، فيعيشون معا في هناء وصفاء جنبا إلى جنب: الناس الحيوانات والطيور والنباتات.
هذه هي القرية التي عرفناها في الماضي، فماذا بقي منها الآن؟
أهلها ودعوا القناعة، وفارقوا الوداعة، وبعضهم هجرها إلى المدينة مستبدلين ماديتها بروحانيتهم وقلقها المزمن بطمأنينتهم، وبعضهم مكثوا فيها وتقاعسوا عن خدمتها، وأرادوا أن يجعلوها مدينة مصغرة فاستبدلوا العمائر بالدور وأحالوا ترابها قارا وخضرتها أحجارا وجعلوا بينهم وبين الطبيعة ستارا فتسمم هواؤها وغاض ماؤها.
لقد حوصرت آخر قلاع الطبيعة، وتكاد أن تسقط لولا البقية الباقية من جيوب المقاومة التي تحصنت فيها، وآلت على نفسها أن تحميها، فهل تراها تستطيع؟
حمّامات تقليديّ
مقاهي تقليدي
أزقّة عتيقة
منازل تقليديّة
أسواق تقليديّة

ذكريات الحي القديم
مررتُ يوماً بحي طفولتي فرأيته أطلالاً من بَعدي
ورأيت المنازل قد تهدمت بعد شموخها في سما المجدي
وبعضها على الأرض متمايلاً ك(شيخٍٍ) لم يقدر على الكدي
فانحدرت من العين دمعةً كادت من حرها أن تحرق الخدي
وانبعثت من القلبِ آهةً يسمعُها من كان على البُعدي
فاقترَبتُ من الدار متسائلاً : لماذا أصبح وجهك مجعّدي ؟
ما لحائطك صار متصدعاً ؟ كيف أصبحتَ اليوم مُقعدي ؟
فرد عليّ بصوتٍ حزين: هذه إرادة الله يا ولدي
الحماقتين كيف أخاطب خراباً لا ينفع ولا يُجدي !!
وأخذت أبكي بكاءَ الغريب كمن فارق الأهل والولدين
ورفعت صوتي لأصحابي منادياً : هلما إليّ ومأمن أحدي
أهل الطائف أنسيتم حيّكم ؟ أو لازلتم باقين على العهدي ؟
فرّقتنا يد الأقدار عابثة بعدما كنا في عيشنا الرغدين
ليت ماضينا يعود ولو برهةً فقد كان أحلى من الشهدين
ودارٌ من الطينِ مبنيةٌ أعزلي من قصرٍ مُشيدي


تعريفــــــــه:

المدينة العصرية. وهي تتكون من الحي الاستعماري سابقاً الممتد من المدينة القديمة وبحيرة تونس. ويشمل هذا الحي عمارات متوسطة الارتفاع تتخللها من حين إلى آخر مبان حديثة كفندق إفريقيا، ويشهد هذا الحي بدوره تحولات أساسية. فمن حي سكني خدمي وصناعي، أصبح يتجه نحو التخصص في الخدمات والتجارة ويضم المصارف والشركات، مثل: شارع محمد الخامس، الذي يتميز بظهور العديد من العمارات المتعددة الطوابق منها البنك المركزي ومقر الشركة التونسية للبنك ووكالة النهوض بالصناعة وغيرها.
يهدف مشروع تونس البحيرة الذي أُنجز منه النواة الأولى إلى تدعيم قلب المدينة العصرية والتركيز على الوظيفة الخدمية والتجارية والسكنية الرفيعة.
كما أن الأحياء السكنية العصرية امتدت شمالي وغربي المدينة القديمة والعصرية الاستعمارية في شكل فيلات وحدائق وعمارات في أحياء جديدة (المنزه والمنار) أصبحت بدورها أحياء تجارية وخدمية متنوعة تنافس أحياء قلب المدينة. وساهمت الشواطئ الشمالية الشرقية والجنوبية في امتداد العمران والسكن للطبقات الغنية والمتوسطة: رادس، والزهراء، وحمام الأنف في الجنوب وحلق الوادي وقرطاج وغيرها في الشمال.
العمارات العصريّة
المقاهي العصريّة
الحمّامات العصريّة
المغازلات العصريّة

كانت العلاقات الاجتماعية فيما مضى تتسم بالوئام والانسجام وكانت خالية من التعقيدات التي فرضتها الحياة العصرية الحديثة، لذا كان الجيران حتى وقت قريب يتزاورون فيما بينهم بشكل دوري، ويعرف بعضهم بعضا، ويشكلون ما يشبه العائلة الواحدة، ومع إطلالة الحياة الحديثة، وانشغال الكل بمشاكله اليومية باتت الأسرة الواحدة مهددة بالتفكك، ناهيك عن العلاقة بين الجيران التي بدأت تندر في كثير من المناطق، الأمر الذي يجعل الأسئلة التالية تطرح نفسها وبقوة، هل ما زال مصطلح الجار قائما ومعترفا به؟ أم أن تطور وسائل الحياة العصرية وتعقدها أجبر الجميع على التخلي عن بعض العادات ليس بغضا فيها، وإنما لضيق الوقت عن التشبث بها؟
الجهل بحقوق الجيران
«لو لم تنتشر ظاهرة الجهل بحقوق الجار لما شاهدنا هذا الإهمال الكبير لأبسط حقوقه»، بهذه الكلمات بدأ علي أحمد أضاف تلاشت القيم الاجتماعية وحل مكانها الجهل بالحقوق والواجبات، فاتخذت العلاقات بين الجيران شكلا آخر وأصبح الجيران آخر من نهتم بأمرهم، بعد أن كنا أول من نسأل عنهم حين نشتري بيتا، ولم تعد مقوله «الجار قبل الدار» تطبق على أرض الواقع، بسبب عدم اكتراث الناس بقيمة العلاقات التي تنشأ بين الجيران، فأصبح البعض يتحاشى لقاء جاره في كثير من الأحيان، وحين يلقاه لا يتبادلان التحية عملا بالمثل الشعبي «صباح الخير يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي» إلا من رحم ربي، وهذا ما جعل العلاقة المميزة التي كانت تربط بين الجيران في الماضي تنهار أمام رياح الحياة العصرية العاتية، مثلما انهار واختفى كل شيء أصيل من حياتنا، بفعل الحياة العصرية ومشاغلها ومشاكلها التي جعلت البعض من الناس لا يجدون فرصة للتواصل وربط العلاقات وإحياء العادات والتقاليد الأصلية التي تحث على حسن معاملة الجار، وتبادل الزيارة معه، والوقوف بجانبه في أوقات الأفراح والأتراح».
ونبه علي إلى أنه ما زالت هناك بقية من الناس يحافظون على تلك العادات الجميلة، خصوصا ما يتعلق منها بقضية الجار، رغم التغير الكبير الذي حدث في كل مناحي الحياة وخاصة الاجتماعية منها، وأردف يقول «ما زال هناك أناس خيرون يتواصلون فيما بينهم ويرعون للجار حرمته، خصوصا إذا كانوا من أهل المسجد، فترى الجيران الذين يأتون للمسجد يتفقد بعضهم البعض الآخر، ويسألون عن أحدهم إذا لم يروه في المسجد، وإذا ما علموا أن سبب غياب جارهم عن المسجد هو المرض، يبادرون بزيارته وتفقد عائلته ورعايتهم، وجلب كل ما يحتاجون، هذا حال الخيرين من المجتمع، خصوصا إذا لم يوجد هناك تشاحن أو بغضاء، وهنا أقدم النصيحة للجيران الذين يتواصلون والذين لديهم أطفال يلعبون مع بعض، أوصيهم بتقوية الأواصر والترابط، والمحافظة على علاقاتهم الحسنة، حتى يكبر أولئك الأطفال على حب الجار واحترامه والإحسان إليه».
عائلة واحدة
سعود عبد الله يرجع تفكك الجيران للعولمة، ويتحدث عن الفرق بين جيران الأمس وجيران اليوم بقوله: «في السابق كنا في المنطقة أو (الفريج) يعرف بعضنا بعضا، ونعيش كأننا عائلة واحدة من دون تفرقة أو تميز لأي سبب كان، وكنا نتشارك في كل شيء ويجمعنا الحب والاحترام، لذلك كانت تمر أيامنا بسعادة يطبعها الوئام التام بين الجيران رغم بساطة الحياة وسهولتها في ذلك الوقت، أما اليوم فأنا أسكن منذ قرابة 9 شهور في شقة مستأجرة ولا أعرف اسم جاري، لأنني أخاف أن لا تتفق طباعه مع طباعي، فقد رأينا جيران اليوم يغضبون على بعضهم لأتفه الأسباب، فإذا أوقفت سيارتك في موقف جارك وجاء ووجد سيارتك في موقف سيارته يغضب ويقوم بالسب والشتم، هذا إذا لم يوقف سيارته وراء سيارتك.
الأمس واليوم
ونبه سعود إلى الاختلاف الذي طرأ على علاقة الجيران بقوله «جيران الأمس كانوا إخوة بكل ما في الكلمة من معنى، يحفظون حرمة بعضهم البعض، يصونون العادات والأعراف، وهو ما كان يشعر الجميع بالأمان، وكانت كل الصفات الحميدة تعم المنطقة التي نعيش فيها، حقا كانت الحياة حلوة ومرحة وبلا مشكلات أو تعقيدات، وإذا ما تمت المقارنة بين حياة الأمس وحياة اليوم نجد الفرق واضحا حيث الاختلاف في كل شيء، في علاقة الجار بأخيه، في العلاقات الأخوية والحرص عليها، وحب المساعدة الذي كان شائعا بين الجميع».
ديننا الإسلامي
عبد الله حمد الشهراني يوصي بعدم الانجرار وراء تعقيدات الحياة العصرية، ويطالب بالمحافظة على عادات المجتمع وتقاليده الحسنة، مستدلا على كلامه ببعض الأحاديث، مبرزا ذلك بقوله «لا يمكن لأي شعب أو أمة تحترم نفسها أن تتخلى عن عاداتها الجميلة التي تنبع من قيمها الدينية وموروثها الحضاري، وقد تعلم كل فرد من أفراد المجتمع في مدرسته الأحاديث الشريفة التي تحث على الإحسان إلى الجار ومراعاة حرمته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تحث على احترام الجار والتحذير من الإساءة إليه، وهذا ما كان شائعا حتى وقت قريب، فقد كنا ونحن أطفال نرى آباءنا وأمهاتنا يبالغون في الإحسان إلى جيرانهم حتى ليخيل لنا أن جيراننا تربطنا بهم رابطة نسب، لأننا تعودنا على مناداة كبار السن من الجيران بـ «يا عم أو يا بابا، وياء خالة»، أو غير ذلك من الألفاظ الطيبة، لكن تكاد هذه المظاهر تختفي للأسف الشديد، من هنا نناشد جيل اليوم المحافظة على حقوق الجار، حتى تظل تلك العادات وذلك الموروث الجميل راسخين في المجتمع، وأن لا نتذرع بالمشاغل اليومية وننسى جيراننا».
تحسن الوضع المادي
وهذا ما أكده فهد عبد الله، وأضاف «لا شك أن تحسن الوضع المادي للمجتمع هو الذي جعل العلاقة بين الجيران تختلف في زماننا الحاضر عن ما كانت عليه، وضعفت هذه العلاقة حتى أنها أصبحت شبه معدومة، لذلك أصبحنا نرى الجيران لا يعرفون بعضهم إلا من خلال إلقاء التحية عند أبواب المنازل، والبعض الآخر لا يعرف جيرانه إطلاقا».
وعدد فهد أهم الأسباب وراء غياب ترابط الجيران اليوم، معتبرا أن السبب الأول والرئيسي «هو استغناء الناس عن بعضهم البعض»، وأضاف «في السابق كان الجار يحتاج لجاره في الكثير من الأمور، أما الآن فتعددت البدائل التي يمكن أن يستغني بها الشخص عن جاره، نظرا لتحسن الظروف المادية للكثير من الناس، الأمر الذي جعل الاستغناء عن طلب المساعدة من الجيران هو السائد اليوم، بل إن الجار الذي يطلب المساعدة من جاره يعتبر جارا ثقيلا وستلاحقه نظرات الازدراء من طرف الجميع، أما السبب الثاني فهو اختلاف العادات والتقاليد، فمعظم سكان المدن اليوم غالبا ما يتشكلون من ثقافات مختلفة ومناطق شتى أجبرتهم ظروف العمل والبحث عن فرصة أفضل إلى الهجرة للمدن الكبيرة، مما جعل معظمهم يفضل عدم الاختلاط بالآخرين، لاعتقاده أنه يصعب التوافق بينه وبين جاره للأسباب السابقة التي أشرت لها».
المناطق الشعبية
مع كل هذا التغير الذي طرأ على حياة الناس يشير فهد إلى أن الأمور لم تبلغ نقطة النهاية عند الجميع، بل لا يزال هناك ترابط بين بعض الجيران من طرف أناس ما زالوا متشبثين بتعاليم دينهم، مما جعلهم يحافظون على أفضل علاقة بينهم وبين جيرانهم بشكل كبير رغم كل المتغيرات، وأضاف «لا بد من الاعتراف بوجود علاقات طيبة ما زالت قائمة بين بعض الجيران في هذا الوقت الحاضر، وإن كانت على نطاق ضيق، خصوصا عند سكان الأحياء القديمة التي تقع خارج المدن الكبيرة، والتي تسمى بالأحياء الشعبية أو مناطق الريف أو البدو، لكن مشكلتنا تكمن في غزو الحياة المدنية وثقافتها لسكان الريف، الأمر الذي يؤكد ضرورة التوعية بهذا الأمر المهم قبل أن تختفي ثقافة الجار من الوجود<<.
عـــــــــــــــــــــــــــودة الـــــــــــــــجـــــــار
يَتَسَلَّلُ شَارِعُ البَاشَا عَبْرَ مَتَاهَاتِ مَدِينَةِ تُونِسَ العَتِيقَةِ، يَتَوَغَّلُ فِي أعْمَاقِهَا، يَبْسُطُ ذِرَاعَهُ الطَّوِيلَةَ، يَصِلُ بِهَا " بَاب البنات " غَرْبًا إلى " بَطْحَاءِ رمضان بايْ " شَرْقا، وَ مِنْهَا إلى قَصْرِ القَصَبَةِ، فَجَامِعِ الزَيْتُونَةِ، يَخْتَصِرُ المَسَافَةَ الفَاصِلَةَ بَيْنَ " الرَّبط " وَ قَلْبِ المَدِينَةِ النابِضِ بالأسْوَاقِ وَ الحَرَكَةِ.
تَدْخُلُ حَيَّ دَارِ البَاشَا فَتَجِدُ لَهُ نُكْهَةً خَاصَّةً بِمَا فيه مِنْ عُطُورَاتٍ تَنْبَعِثُ مِنْ أعْطَافِهِ، وَ مِنْ تَوَابِلَ قَوِيَّةٍ نَفّاذةٍ تَطُوفُ عَبْرَ أرْجَائِهِ. تَسِيرُ بَيْنَ حَنَايَاهُ وَ منعطفات، تُطِيلُ التأمُّلَ بالرِّحَابِ. احْتِفَالِيَّةُ الألْوَانِ، وَ نُعُومَةُ الأضْوَاءِ المُتَسَرِّبَةِ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِ يَدَيْهِ، مِنْ عُيُونِ النَوافِذِ المُطِلَّةِ عَلَى جَانِبَيْهِ مِنْ خِلاَلِ شُقُوقِ الأبْوَابِ وَ فَوْقَ سُطُوحِ المَنَازِلِ.
تَمُرُّ تَحْتَ الأقْوَاسِ المُتَدَنّيَةِ وَ الأزِقَّةِ المكببة، وَ تِيجَانِ الأعْمِدَةِ، وَ المَدَاخِلِ ذَاتِ الإضَاءَةِ المُنْبَثِقَةِ مِن الخُطُوطِ وَ الزَخَارِفِ وَ الألْوَانِ.
تَتَدَفَّقُ الحَيَاةُ المُنْسَابَةُ في البِنَايَاتِ المتراكبة وَ الأبْوَابِ المُتَقَابِلَةِ وَ النَوَافِذِ المُشَبَّكَةِ البَارِزَةِ بِبَهْجَتِهَا، تُطِلُّ عَلى الشّارِعِ كالقَنَادِيلِ الكَبِيرَةِ الخَضْرَاءِ المُعَلَّقَةِ، وَ الجُدْرَانِ المتلفة بِضَوْءِ الشَّمْسِ، وَ الأبْوَابُ الكَبِيرَةُ العَالِيَةُ، المرفشة بِمَسَامِيرَ رُؤُوسُهَا سَوْدَاءُ بَارِزَةٌ، وَ الحِلَقُ الحَدِيدِيَّةُ تَتَدَلَّى كالأخْرَاصِ فَوْقَ قِبَابٍ مُسْتَدِيرَةٍ.
هاوه " مُرْتَضَى الشامِخِ " بَيْنَ عَرَصَاتِ دَارِ البَاشَا، يَعُودُ إلَيْهَا بِقَلْبٍ جَدِيدٍ، يَسْتَنْشِقُ هَوَاءَهَا القَدِيمَ، بَعْدَ فِرَاقٍ طَوِيلٍ، أرْبَعُونَ سَنَةً أو تَزِيدُ.
يَتَوقَّفُ، يُمْعِنُ النَظَرَ فِي الأمَاكِنِ التّي عَاشَِ فِيهَا زَمَنًا، فِي أعْمَاقِ نَفْسِهِ تَتَرَدَّدُ أصْدَاءٌ مُخْتَلِطَةٌ مِنَ المَاضِي: أنَاسٌ وَ أصْوَاتٌ، وَ حَوَادِث، وَ مَبَانٍ، وَ نَغَمَاتٌ قَدِيمَةُ تَصْعَدُ مِنَ القَلْبِ.
إنَّهُ يَتَوَغَّلُ فِي الأمَاكِنِ التِّي سَتَفْتَحُ بَابَهَا عَلَى مَاضِيهِ، لِيُقَلِّبَ صَفْحَاتِهِ، وَ يُعِيدَ القِرَاءَةَ مِنْ جَدِيدٍ.
مظاهر ارتبطي في الحيّ
لَطَالَمَا أحْبَبْتُ هَذَا الحَيَّ العَرَبِيَّ العَتِيقَ وَ ذَاكَ الصَّبِيَّ الذّي كَانَ يَلْعَبُ فِي بِطَاحِهِ الوَاسِعَةِ المُغْبَرَّةِ وَ فِي أزقَّتِهِ المُلْتَوِيَةِ المَلآنَةِ بالوَحْلِ وَ قُشُورِ الثّمْرِ، وَ كَانَ يَغْدُو وَ يَرُوحُ، وَ يَتَعَطّلُ فِي أنْهُجِهِ عنْدَمَا بَلَغ وَ اشْتَدَّ لِيَلْتَقِيَ بِخُلَطَائِهِ وَ أصْفِيَائِهِ وَ لِيَلْعَبَ مَعَهُمْ لُعْبَةَ الوَرَقِ، وَ يَتَحَدَّثُ عَنْ شُجُونِهِ وَ أفْرَاحِهِ.
وَ لَكَمْ أحْبَبْتُ ذَاكَ الحَيَّ القَدِيمَ العَامِرَ بِأهَالِيهِ الصَاخِبِينَ الحَائِرِينَ، وَ اسْتَمَعْتُ إلى نِعَالِ رجَالِهِ البُسَطَاءِ تَخْبِطُ عَلَى الأرْصِفَةِ قَبْلَ بُزُوغِ الشّمْسِ، وَ أصْغَيْتُ إلى أصْوَاتِهِمْ الغمغمة تَدْعُو وَ تَصيحُ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَ الأخْرَى، وَ شَاهَدْتُ العَوَانِسَ وَ الأرَامِلَ وَ الصّبَايَا يَتَدَافَعْنَ فِي مِشْيَتِهِنَّ خَجُولاَتٍ مُتَعَثّرَاتٍ... وَ رَأيْتُ الشُّيُوخَ يُقْبِلُونَ عَلَى المَسَاجِدِ فِي هَمْهَمَةٍ وَ تَسْبِيحٍ وَ بَعْضِ تَرْتِيلٍ، وَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا قَاصِدِينَ المَقَاهِي.
أفْتَقِدُ تحاجا إسْكَافِيِّنَا، وَ بَسْمَةَ بَائِعِ اللَّبَنِ الأخْرَسِ، وَ رَنِينَ أقْرَاصِ النُّقُودِ النُّحَاسِيَّةِ بِطَسْتِ الشَحَّاذِ الأعْمَى يُرَابِطُ بِنَفْسِ المَكَانِ مُنْذُ عَرَفَ الزُّقَاقَ أهْلُهُ فَألِفُوهُ.
أفْتَقِدُ شَكَاوَى جَارِنَا العَجُوزِ مِنْ أمْرَاضِ البَرْدِ المُزْمِنَةِ لاَ تُهَادِنُهُ شِتَاءً أوْ صَيْفًا، حَتّى لَوْ صَعِدَت الحَرَارَةُ أقْصَاهَا.
وَ لَشَدَّ مَا أحْبَبْتُ هَذا الحَيَّ التَقْلِيدِيَّ بِمَوَائِدِهِ وَ مُمَيّزَاتِهِ، وَ بِرَمَضَانِهِ الصَّاخِبِ وَ عِيدَيْهِ الزاهين بالخُضْرَةِ وَ الدِّمَاءِ، وَ بِمَوَاسِمهِ وَ حَفَلاَتِهِ، وَ بِأعْرَاسِهِ وَ مَآتِمِهِ، وَ بِكَتَاتِيبِهِ وَ مَدْرَسَتِهِ القُرْآنيَّةِ، وَ بِدِيَارِهِ البَائِسَةِ المُنْحَنِيَةِ وَ مَنَازِلِهِ المُتَطَاوِلَةِ، وَ بِعِطْرِهِ وَ بِشَمْسِهِ وَ بِوَحْلِهِ وَ بِرَوائِحِ تَوَابِلِهِ، وَ بِإيمَانِهِ وَ بِصَوْمَعَةِ مَسْجِدِهِ الجَامِعِ التّي يَسْمُو بِرُوحِهَا المُؤذّن صَبَاحَ مَسَاءَ إلى عَنَانِ السَّمَاءِ...
لِمَ هَذا التَحَسُّرُ؟ أوَ لَمْ يَمْضِ ذلِكَ العَهْدُ الحَبِيبُ؟ وَ مَا بَقِيَ منْهُ؟
لَقَدْ حُطّمَتْ أرْكَانُهُ وَ هُدِّمَتْ، وَ كُسِّرَتْ أسُسُهُ وَ خُرٍّبَتْ، وَ لَمْ يَبْقَ منْهُ إلاّ هَذِهِ الأكْدَاسُ مِنَ التُّرَابِ وَ الحَطَبِ وَ الحِجَارَةِ، وَ بَقَايَا مَاعُونٍ، وَ شَبَابِيكُ، وَ خَرَجَ مِنْهُ أهَالِيهِ، ذاتَ صَبَاحٍ، مُتَحَمِّلِينَ مُتَلاَحِقِينَ يَضْرِبُونَ في دُرُوبِ الأحْيَاءِ الأخْرَى.
كَانَ جِيرَانِي إذَا اصْفَرَّ وَجْهِي مِنْ سَقَمٍ يَلْتَفُّونَ حَوْلِي وَ يُوَشِّحُونَنِي بِأدْعِيَةٍ للشِّفَاءِ فيهدهدن قَلقهم عَلَى حَالِي، وَ تَسْتَمْهِلُنِي أحْيَانا بَائِعَةُ البَيْضِ العَرَبِيِّ وَ " الملصوقة " لِتَصِفَ لِي شَرَابا مِنَ الأعْشَابِ ضِدَّ الرَّشْحِ وَ السُّعَالِ.
أسْكُنُ مَنْزِلا بِحَيٍّ رَاقٍ. يَوْمَ انْتَقَلْتُ إلَيْهِ صَفَعَتْنِي الغُرْبَةُ. " جَادَكَ الغَيْثُ إذا الغَيْثُ هَمَى " يَا زَمَانَ الأنْسِ بِحَيِّنَا العَتِيقِ...
فَرَأى جَمَاعَاتٍ مِنَ الصِّبْيَانِ وَ البَنَاتِ يمالون الطّرِيقَ متصارحين مُتَضَاحِكِينَ، وَ قَدْ انْقَسَمُوا فِرَقا أكَبَّ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى رِيَاضَةٍ، فَبَدَا الطّرِيقُ و كَأنَّهُ نَادٍ رِيَاضِيّ.
فَهَذِهِ جَمَاعَةٌ تَحْجِلُ و تِلْكَ أخرَى تَتَصَارَعُ، و اقْتَعَدَ الصّغَارُ التوار يَرْقُصُونَ و يُغَنّونَ و يُصَفّقُونَ. اضْطَرَبَتِ الأرْضُ وَ ضَجَّ الجَوُّ وَ ثَارَ الغُبَارُ، فَأيْقَنَ أنْ لاَ قَيْلُولَة مُنْذُ اليَوْمِ! وَ سَمِعَ أنَاشِيدَ عَجِيبَة " عمّ يا جَمّالُ... " و " يا أولاَد حَارَتِنَا تُوتْ "... ويلعبون الورق، فَحَارَ بَيْنَ الدّهْشَةِ وَ الحَنَقِ و السُّرُورِ! ثُمَّ تَصَاعَدَ صَوْتٌ جَهْوَرِيٌّ أجَشُّ غَلِيظُ النَّبَرَاتِ يَصِيحُ كالرَّعْدِ " مَلْعُونٌ أَبُو الدُّنْيَا " و كَرَّرَ صِيَاحُهُ بِصَوِتٍ مَنْغُومٍ عَلَى إيقَاعِ كَفَّيْنِ شَدِيدَيْنِ... وَ كَانَ الصّوْتُ صَاعِدًا عَلَى الأرْجَحِ مِنْ دُكّانٍ تَحْتَ النّافِذَةِ مُبَاشَرَةً وَ لَكِنْ مِنْ دَاخِلَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ ذَلِكَ الذّي يَتَغَنّى بِسَبِّ الدُّنْيَا وَ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ فَأغْرَقَ في الضَّحِكِ حَتّى تَوَرَّدَ وَجْهُهُ الشّاحِبُ.
وَ اشْرَأبَّ بِعُنُقِهِ مِنَ النّافِذَةِ فاسْتَطَاعَ أنْ يَرَى لاَفِتَةَ الدُكّانِ وَ قَدْ نُقِشَ عَلَيْهَا بِخَطٍّ جَمِيلٍ " نونو الخطّاط "... تُرَى هَلْ يَكْتُبُ الرَّجُلُ لَوْحَاتٍ في سَبِّ الدُّنْيَا وَ يَبِيعُهَا للمُتَذَمِّرِينَ و السّاخِطِينَ؟
الألعاب التّي نمارسها في الحي

استهوت في الماضي لسهولة تأديتها وبساطتها وبثها روح الحماسة والمنافسة والتسلية والمرح لمؤديها لاعتمادها بشكل رئيسي على المهارات والقدرات البدنية وخفة الحركة والمناورة والدقة والملاحظة والذكاء والتفكير وسرعة اتخاذ القرار بالوقت المناسبة وأسهمت الألعاب الشعبية القديمة بشكل رئيس وفاعل في تقوية الروابط الاجتماعية وبث روح الألفة بين أبناء الجيران من الأطفال والشباب وساعدتهم في تمضية أوقات فراغ مليئة بالأنس والمحبة في السابق لأنها كانت تمثل التسلية الوحيدة لهم لانعدام أماكن الترفيه في الماضي، كما أسهمت هذه الألعاب في المحافظة على التراث الشعبي من الاندثار بوصفه من المورثات الشعبية التي يتوجب المحافظة عليها في الوقت الحالي.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

البيت والحي يساهمان في تشكيل شخصية الإنسان

الأوفتشاركا أو كلب الرعي القوقازي ...